تحتفل الكنيسة اليوم بعيد الصليب الكريم المحيي تذكارًا لاكتشاف عود صليب السيّد المسيح في القدس في النصف الأول من القرن الرابع، على يد القديسة هيلانة، والدة الإمبراطور قسطنطين الكبير.
وتحتفل بنوع خاصّ بإعادة عود الصليب على يد الإمبراطور البيزنطيّ هرقليوس سنة 628 بعد انتصاره على كسرى ملك الفرس الذين احتلّوا القدس سنة 614 وأخذوا معهم غنائم كثيرة، ومنها عود الصليب. ويذكر التقليد أنّ الإمبراطور حمل على كتفه عود الصليب وسار به إلى الجلجلة، وكان يرتدي أفخر الملابس. إلاّ أنّه عندما بلغ إلى باب الكنيسة والصليب على كتفه، أحسّ بقوّة تصدّه عن الدخول. فوقف البطريرك زكريّا، وقال له: "حذارِ أيّها الإمبراطور! إنّ هذه الملابس اللامعة وما تُشير إليه من مجد وعظمة تتناقض مع فقر السيّد المسيح وتواضع الصليب". فخلع الإمبراطور ثيابه الفاخرة وارتدى ثيابًا بسيطة وتابع سيره حافي القدمين حتى الجلجلة، حيث رفع عود الصليب المكرَّم. فسجد المؤمنون إلى الأرض وهم يرنّمون: "لصليبكَ يا سيّدنا نسجد ولقيامتكَ المقدّسة نمجِّد".
عندما نكرّم صليب المسيح، نذكر دومًا علاقة الصليب بالقيامة. فالصليب لم يكن نهاية حياة المسيح، بل كان السبيل إلى قيامته من بين الأموات وغلبته على الموت. وفي الوقت عينه نُعلِن إيماننا بأنّ الصليب هو الأداة التي بها افتدانا المسيح، إذ به أظهر لنا محبّته لنا، كما قال: "ليس لأحد حبّ أعظم من أن يبذلَ نفسَه عن أحبّائه" (يوحنا 13:15). وبه أيضًا أظهر لنا محبّة الله الذي "أحبّ العالم حتى إنّه بذل ابنه، وحيده، لكي لا يهلكَ كلّ من يؤمن به بل تكونَ له الحياة الأبديّة" (يوحنا 16:3). فالصليب هو علامة المحبة، والمحبة وحدها تستطيع أن تفتدي العالم.
الربّ يسوع المسيح اختار موت الصليب طوعًا، شاهدًا حيًا بالزهد بالذات كي نسير على مثاله ونتبعه حتى القيامة مروراً بالصليب المحيي، صابرين على الأعباء الدنيوية ومنتصرين بالصبر على كل المحن والصعوبات الجسدية والنفسية، عالمين أن الموت عن الذات هو الحياة الحقة فيك ومعك ولك ولا نهاية لها.
عيد مبارك للجميع.